بسم الله الرحمن الرحيم 
هذه كلماتٌ يسيرةٌ عن موضوع ٍ مهم ٍ جداً ، ألا وهو موضوعُ : الاستشراقُ ، والسببُ الذي دفعني للكتابةِ في هذا الموضوع ِ ، هو كشفُ غوامضَ هذا العالم المجهول ِ لدى أكثرِنا ، وكذلكَ تجلية ً لزيوفِ هذه المدرسةِ الاستعماريّةِ الجديدةِ ، 

خصوصاً بعد أن أثبتتْ الحروبُ الصليبيّة ُ والحملاتُ الاستعماريّة ُ العسكرية ُ فشلها ، ولم تستطعْ أن تثبتْ لها قدماً في بلادِ الإسلام ِ ، مع أنّهم ساموا أهلها سوءَ العذابِ ، ونكّلوا بهم ، 

وأرجو أن تكونَ هذه الدراسة ُ كاشفة ً لشيءٍ من غوامضَ تلكَ الحركةِ الصليبيةِ الجديدةِ ، وأن تكونَ نواة ً لنا جميعاً لأن ننحوَ هذا النحوَ من المواضيع ِ ، وأن نعالجَ الكتابة َ فيها ، فهي ممّا يبقى ويدّخرُ على مرّ الأزمان ِ ، وتبقى – إن شاءَ اللهُ – معلمةً يُستفادُ منها ، 

وهذا أوانُ الشروع ِ في المقصودِ . 

تعريفُ الاستشراق ِ والمستشرقينَ : 

· تعريفُ الاستشراق ِ : 

الاستشراقُ اتّجاهٌ فكريٌ ، يُعنى بدراسةِ حضارةِ الأمم ِ الشرقيّةِ بصفةِ عامّةٍ ، وحضارةِ الإسلام ِ والغربِ بصفةٍ خاصةٍ ، وقد كانَ مقتصراً في بدايةِ ظهورهِ على دراسةِ الإسلام ِ واللغةِ العربيةِ ، ثمّ اتّسعَ ليشملَ دراسة َ الشرقَ كلّهُ ، لغاتهِ ، وأديانهِ ، وتقاليدهِ ، وآدابهِ . 

· تعريفُ المستشرقينَ : 

المستشرقونَ : هم مجموعة ٌ من علماءِ الغربِ الذين اعتنوا بدراسةِ الإسلام ِ واللغةِ العربيةِ ، ولغاتِ الشرق ِ ، وأديانهِ ، وآدابهِ . 

وأكثرُ هؤلاءِ المستشرقينَ هم من القساوسةِ المنتظمينَ في السلكِ الكنسي ، فهم بمقتضى مهنتهم أصحابُ مهمّاتٍ تبشيريةٍ بحتةٍ ، 

ومنهم آخرونَ موظّفونَ ببلدانهم ، في الدوائر ِ السياسيةِ ، والإداريةِ المختصةِ بشؤون الاستعمار ِ ، بصفةِ باحثينَ ، أو مستشارينَ ، أو نحو ِ ذلكَ !! . 

تاريخُ ابتداءِ الاستشراق ِ : 

اختلفَ الباحثونَ في الوقتِ الذي ابتدأ فيهِ الاستشراقُ ، هل هو قديمٌ ؟ ، أم هو حركة ٌ عصريّة ٌ ؟ ، والذي مالَ إليهِ جمهرة ٌ كبيرة ٌ من المحقّقينَ ، تقسيمُ الاستشراق ِ إلى قسمين ِ رئيسينَ : 

· القسمُ الأوّلُ : الاستشراقُ السلميُ ، أو اللاعدواني : 

وهذا القسمُ ابتدأ في أوائل ِ القرن ِ العاشر ِ الميلاديِّ ، والذي حدا إليهِ هو نقصُ المعارفِ لدى الكثير ِ من الأوربيينَ ، وكذلك ضعفُ الحركةِ العلميّةِ لديهم ، ممّا حرّك فيهم حب المعرفةِ والعلم ِ ، ولم يجدوا معارفَ وعلوماً ، مثلَ العلوم ِ والمعارفِ التي لدى المسلمينَ والعربِ ، فبدأوا بالاختلاطِ بالمسلمينَ ، والدراسةِ لديهم ، واكتسابِ ما عندهم من علوم ٍ ومعارفَ ، سواءً كانت إنسانيّة ً ، أو تطبيقية ً ، 

ومن أكثر ِ الأقاليم ِ الإسلاميّةِ التي تحرّكت فيها حركة ُ الاستشراق ِ السلميّةِ ، هو بلادُ الأندلس ِ ، حيثُ قصدها الكثيرُ من الرهبان ِ الغربيين ِ ، وذلك إبّانَ عظمتها ومجدها ، وتثقّفَ أولئكَ الرهبانُ في مدارسها ، فترجموا القرءانَ والكتبَ العربية َ إلى لغاتهم ، وتتلمذوا على علماءِ المسلمينَ ، في مختلفِ العلوم ِ ، وبخاصةٍ في الفلسفةِ ، والطبِ ، والرياضياتِ ، 

وبعدَ أن عاد هؤلاءِ الرهبانُ إلى بلادهم ، نشروا ثقافةِ العرَبِ ، ومؤلّفاتِ أشهر ِ علمائهم ، ثم أسّست المعاهدُ للدراساتِ العربيّةِ ، أمثال مدرسةِ : " بادوي " العربيةِ ، واستمرّت الجامعاتُ الغربية ُ تعتمدُ على كتبِ العربِ ، وتعتبرها المراجعَ الأصليّة َ للدراسةِ قرابة َ ستةِ قرون ٍ ، 

ومن أشهرِ هؤلاءِ المستشرقينَ السلميّينَ : 

- الراهبُ الفرنسيُّ : جربرت ، الذي أختيرَ بابا لكنيسةِ روما عامَ ( 999م ) ، بعد تعلّمهِ في معاهدِ الأندلس ِ ، وعودتهِ إلى بلاده ِ ، 

- الراهبُ : بطرس المحترم ( 1092م – 1156 م ) ، 

- الراهبُ : جيراردي كريمون ( 1114 م – 1187 م ) . 

· القسمُ الثاني : الاستشراقُ العدوانيُّ : 

ونقصدُ بالعدوانيةِ : هي تلكَ الحركةِ التي قامت لخدمةِ الأغراض ِ الاستعماريةِ ، والتمكّن ِ من الطعن ِ في الإسلام ِ بنفس ِ لغةِ أهلهِ ، وبنفس ِ معارفهم وعلومهم ، وسيأتي المزيدُ من الكلام ِ عليهم لاحقاً ، 

اختلفَ الباحثونَ في الوقتِ الذي بدأ فيهِ الاستشراقُ العدوانيُّ ، وسببُ ذلكَ عدمُ وجودِ مسمّى الاستشراق ِ إلا متأخراً ، مع وجودِ دلالاتِ كثيرةٍ على تقدّمهِ على ذلك بمراحلَ عدّةٍ ، 

فذهبَ بعضُ الباحثونَ إلى أنّهُ بدأ بنهايةِ الحروبِ الصليبيةِ ، وذلكَ بعدَ فشلهم في غزوِ بلادِ المسلمينَ عسكرياً ، فقاموا بوضع ِ خططٍ لغزوِ المسلمينَ وبلادهم ، بوسائلَ أخرى غير وسيلةِ الحربِ المسلحةِ ، واقتضتْ تلكَ الخطة ُ التوسّعَ في دراسةِ علوم ِ المسلمينَ ، 

ويذهبُ هؤلاءِ الباحثونَ إلى أنّ من تسلّم زمامَ هذه المرحلةِ ، هم قساوسةُ أوروبا ، ورجالُ الدين ِ فيها ، 

وذهبَ بعضهم إلى أنّ أوّلَ مبدأ أمرِ الاستشراق ِ العدواني كان في القرن ِ السابع ِ عشرَ ، بقد القيام ِ بطباعةِ مجموعة ٍ من الكتبِ العربيةِ ، وترجمتها ، 

ويكادُ يتفّقُ الأغلبُ من الباحثينَ ، على أنّ الاستشراقَ كحركةٍ منظّمةٍ إنّما بدأ مع بدايةِ فترةِ الإصلاح ِ الديني في أوروبا ، أي من قرابةِ ثلاث مائةِ عام ٍ ، 

ويمكنُنا التوفيقُ بينَ هذه الأقوال ِ كلّها بأن نقولَ : أن حركةِ الاستشراق ِ بدأت منذُ انتهاءِ الحروبِ الصليبيةِ ، خاصّة ً بعدَ عجزهم عن الدخول ِ إلى المجتمعاتِ الإسلاميةِ ، أو زحزحةِ أهلها عن ثوابتهم ومسلّماتهم ، فاضطرّوا إلى تعلّم ِ علوم ِ الإسلام ِ ولغةِ أهلهِ ، حتّى يتسنّى لهم الطعنُ فيهِ فيما بعدُ ، 

إلا أنّ الاستشراقَ كحركةٍ منظمّةٍ ، لها دراساتٌ وبحوثٌ ومؤتمراتٌ ، إنّما نشأ في العصور ِ الحديثةِ ، خصوصاً بعد النهضةِ الصناعيةِ ، وحركاتِ التجديدِ الدينيةِ التي نشأت في أوروبا . 

بواعثُ الاستشراق ِ : 

أهمّ الأمورِ التي بعثتْ هؤلاءِ المستشرقينَ لدراسةِ الدينِ الإسلامي ، ودراسةِ علومهِ ومعارفهِ ، وتاريخهِ وتاريخ ِ أهلهِ : · الباعثُ الديني والتبشيري : 

وذلكَ بعد انهيار ِ حملاتهم الصليبيةِ ، وتحطّمها امامَ مسلّماتِ وثوابتِ الإسلام ِ في نفوس ِ أهلهِ ، ممّا جعلهم يبتكرونَ الطرق ِ الجديدةِ لنشر ِ دينهم ، دون مشادّةٍ ، أو عنفٍ ، وتحت غطاءٍ علميٍ . 

· الباعثُ الاستعماريُ : 

حيثُ كانَ أحدَ أهمّ أهدافِ الاستشراق ِ مدُ الحركاتِ الاستعماريةِ الجديدةِ ، بالمعلوماتِ الكاملةِ عن الاسلام ِ والمسلمين ، وعن طبيعةِ أهلها ، وتركيبتهم الاجتماعيةِ ، حتى يتسنّى لهم التعاملَ معها بيسر ٍ . 

· الباعثُ العلميُ : 

وهؤلاءِ هم أقل المستشرقينَ عدداً ، حيثُ كانَ غرضُ أولئكَ البحثُ العلميُ ، والاطلاع على ثقافةِ الأمم ِ الأخرى ، والبحثُ عن الحقيقةِ . 

مجالاتِ أنشطةِ المستشرقينَ : 

عرفنا فيما سبقَ تعريفَ الاستشراق ِ ، وتأريخهِ ، ويبقى لنا أن نعرفَ أهم المجالاتِ التي جعلوها مسرحاً لأنشطتهم العدوانيةِ ، خصوصاً وأنّهم استطاعوا التغلغلَ في أكثر ِ البلدان ِ العربيةِ ، 

ومن أهم تلكَ المجالاتِ : 

· إنشاء الموسوعاتِ العلميةِ ، سواءً الإسلامية َ منها ، أو الشرقية َ بوجهٍ عام ٍ ، والتي تتناولُ دراسة َ تلكَ الأمور ِ من جميع ِ جوانبِ المعرفةِ ، واتّخاذُ تلكَ الموسوعاتِ وسيلة ً لدس ِ السم ِ فيها ، بل وإقناع ُ أجيال ِ الشعوبِ الإسلاميةِ بها . 

والموسوعاتُ التي أصدرها الكثيرُ من المستشرقينَ ، قد حُشدَ لها كبارُ المستشرقينَ ، وأشدهم عداءً للإسلام ِ ، ودُسَّ فيها السمُّ بالعسل ِ ، ونثرت فيها أباطيلُ كثيرة ٌ ، ومن المؤسفِ جداً أنّه هذه الموسوعاتِ غدت مرجعاً للكثير ِ من الباحثينَ والمثقفينَ ، مع أنّها مراجعُ غير نزيهةٍ البتةِ – كما سنذكرُ لاحقاً - ، وذلكَ لأنّ أغلبَ كتّابها منحازونَ ضدَّ قضايا الإسلام ِ والمسلمينَ . 

· تأسيسُ الجامعاتُ العلميّة ُ في بلدان ِ العالم ِ الإسلاميِّ ، لتخريج ِ أجيال ٍ منسلخةٍ من إسلامها ، ومستعدّةٍ لتقبّل ِ المذاهبِ الفكريةِ المعاصرةِ الوافدةِ ، ولكلِّ ما يُلقى إليها من أفكار ٍ ومبادىءٍ . 

· عقدُ المؤتمراتِ الاستشراقيةِ ، لتبادل ِ الرأي فيما يحقّقُ لها أهدافِ الاستشراق ِ ، وما زالوا يعقدونَ هذهِ المؤتمراتِ منذ عام ِ ( 1783 م ) ، وحتّى الآن . 

· إمدادُ إرسالياتِ التبشير ِ بالخبراء ِ من المستشرقينَ ، ودعمها بما تحتاجُ إليهِ من جهودهم ، وبحوثهم ، وخبراتهم . 

· وجّه المستشرقونَ عناية ً عظمى لإفسادِ المرأةِ المسلمةِ ، وذاكَ عن طريق ِ دعواتِ تحريرها ، وانطلاقها للعمل ِ في شتّى حقول ِ المجتمع ِ ، وإعطائها – بحسبِ دعواهم المضلّلةِ – كاملَ حقوقها وحرّياتها . 

· تأليفُ الكتبِ في موضوعاتِ مختلفةٍ عن الإسلام ِ ، والرسول ِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ ، والقرءان ِ الكريم ِ ، وتأريخ ِ المسلمينَ ، ومجتمعاتهم ، 

وفي معظم ِ هذه الكتبِ الكثيرُ من التحريفِ المتعمدِ في نقل ِ النّصوص ِ ، أو بترها ، أو في فهمها واستنباطِ المعاني منها ، وفيها أيضاً الكثيرُ من التحريفِ في تفسير ِ الوقائع ِ التأريخيةِ ، وتعليل ِ أحداثها . 

· ألقاءُ المحاضراتِ في الجامعاتِ ، والجمعياتِ والأنديةِ العلميةِ ، ومن المؤسفِ أنّ أشدهم خطراً ، وعداءً للإسلام ِ ، يستطيعونَ تحريكَ الأيدي الخفية َ ، لاستدعائهم إلى الجامعاتِ العربيةِ والإسلاميةِ ، لإلقاءِ المحاضراتِ التي يتحدّثونَ فيها عن الإسلام ِ ، ويدسّونَ فيها ما يستطيعونَ دسّهُ من أفكار ٍ ، رغبة ً في بثّها ، والإقناع ِ بها . 

أهدافُ الاستشراق ِ : 

للاستشراق ِ أهدافٌ كثيرة ٌ ، من أهمّها : 

· هدفٌ علميٌ مشبوهٌ ، ويهدفُ إلى : 

- التشكيكُ بصحةِ رسالةِ النبي صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ ، حيثُ ينكرُ أكثرُ المستشرقونَ نبوّة َ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ ، وينكرون كذلك الوحي ، ويعتبرونَ القرءانَ الكريمَ كتاباً من تأليفِ النبي صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ ، 

-ينكرونَ أن يكونَ الإسلامُ ديناً سماويّاً ، بل يرى أكثرُ أولئكَ أنّ الدينَ الإسلامي هو عبارة ٌ عن مجموعةٍ ملفّقةٍ من تعاليم ِ اليهوديةِ والنصرانيةِ ، 

- التشكيكُ في السنّةِ النبويةِ ، والتشكيكُ في عدالةِ الصحابةِ رضوانُ الله تعالى عليهم ، وأخذوا يوردونَ الشبهَ تلوَ الشبهِ ، في موضوع ِ تدوين ِ السنةِ ، وكذلك كثرةِ دخول ِ الوضع ِ فيها ، وطعنهم في رجال ِ الحديث ِ ، واتهامهم بالجمود ِ ، وعدم التحقيق ِ ، 

- التشكيكُ في قدرةِ اللغةِ العربيةِ على مسايرةِ التطوّر ِ العلمي ، لنظلّ عالة ً عليهم في مصطلحاتِهم ، التي تشعرنا بفضلهم ، وسلطانهم الأدبي علينا ، وتشكيكهم في غنى الأدب ِ العربي ، وإظهارهِ مجدباً فقيراً ، لنتجهَ إلى آدابهم . 

· هدفٌ سياسيٌ دينيٌ : 

ويتلخّصُ في التالي : 

- تشكيكُ المسلمينَ بقيمةِ تراثهم الحضاري ، حيثُ يدّعونَ أنّ الحضارة َ الإسلامية َ منقولة ً من حضارة ِ الرومان ِ ، وأنّ العربَ والمسلمينَ لم تكن لهم أي حضارة ٍ ، ولم يكنْ لهم إبداعٌ فكريٌ ولا ابتكارٌ حضاريٌ ، 

- إضعافُ ثقةِ المسلمينَ بتراثهم ، وبثُ روح ِ الشك في كل ما بينَ أيدهم ، من قيم ٍ وعقيدةٍ ومُثُل ٍ عليا ، ليسهّلَ ذلك على الاستعمار ِ تشديدُ وطأتهِ عليهم ، ونشر ِ ثقافتهِ الحضاريةِ فيما بينهم ، فيكونوا عبيداً لها ، 

- إضعافُ روح ِ الإخاء ِ بينَ المسلمينَ ، في مختلفِ أقطارهم عن طريق ِ إحياءِ القومياتِ التي كانت قبل الإسلام ِ ، وإثارةِ الخلافاتِ والنعراتِ بين شعوبهم ، وكذلكَ يفعلونَ في البلادِ العربيةِ ، يجهدونَ لمنع ِ اجتماع ِ شملها ووحدةِ كلمتها . 

مميزاتُ وموازين البحث ِ لدى المستشرقينَ : 

يعتمدُ المستشرقونَ – أغلبهم – في تحرير ِ أبحاثهم عن الإسلام ِ والمسلمينَ ، على ميزان ٍ غريبٍ بالغ ٍ في الغرابةِ ، فمن المعروفِ أن العالمَ المخلصَ يتجردُ عن كل هوىً وميل ٍ شخصيٍ ، 

إلا أنّ أغلبَ هؤلاءِ المستشرقينَ يضعونَ في أذهانهم فكرة ً معيّنة ً ، ويبحثونَ عن كل ما يؤيّدُ فكرتهم تلكَ ، وحينَ يبحثونَ عن الأدلةِ لإثباتِ كلامهم ، لا تهمّهم الأدلة ُ بقدر ِ ما يهمّهم إمكانُ الاستفادةِ منها لدعم ِ آرائهِ الشخصيةِ ، ومن هنا يقعونَ في مفارقاتٍ عجيبة ً ، لولا الهوى والغرضُ المريضُ لربأوا بأنفسهم عن تلكَ المفارقات ، 

ومن أبرز ِ مظاهرِ بحوثِ المستشرقينَ ما يلي : 

- سوء الظنِّ بكل ما يتصلُ بالإسلام ِ في أهدافهِ ومقاصدهِ . 

- تحكيمُ الهوى ونزعاتِ العداء ِ للإسلام ِ والمسلمينَ ، والتعصّبِ الأعمى للنصرانيّةِ ، وللشعوبِ والأمم ِ المنتميّةِ لها . 

- سوءُ الظنُ برجال ِ المسلمينَ من الصحابةِ والتابعينَ ومن بعدهم ، والتشكيكُ فيهم ، ونسجُ الأكاذيبِ عنهم ، وتصديقُ كل ما يُقالُ عنهم . 

- وضعُ الفكرة ِ مقدّماً ، ثم البحثُ عن أدلةٍ تؤيدها ، مهما كانت ضعيفة ً أو واهية ً أو مختلقة ً ، ولو اضطرهم الأمرُ إلى اعتمادِ أسلوبِ المغالطاتِ والأكاذيبِ ، واقتطاع ِ النصوص ِ ، وهذا عكسُ المنهج ِ الاستدلالي السليم ِ . 

- تضخيمُ الأخطاءِ الصغرى ، وجعلها تطغى على الساحةِ ، وكأنّها هي تأريخُ الإسلام ِ الصحيح ِ ، وطمسُ الصورة ِ الرائعةِ المشرقةِ في تأريخ المسلمين . 

- تحريفهم للنصوص ِ في الكثير ِ من الأحيان ِ ، تحريفاً مقصوداً ، وإساءتهم فهم العباراتِ حينَ لا يجدونَ مجالاً للتحريفِ . 

- تصيّدُ الشبهاتِ التي يشتبهُ فيها الحقُّ على كثير ٍ من النّاس ِ ، وإثارتها ، ونشرها بين النّاس ِ على أنّها ثغراتٍ في الدين ِ الإسلامي . 

- تفسير التأريخ الإسلامي ، والحضارة ِ الإسلاميّةِ ، بالمنظار ِ الذي يفسّرونَ بهِ التأريخَ الغربيَّ ، والحضارة َ الغربية َ ، مع تباين ِ الواقعين ِ عقيدة ً ، ونظاماً ، وشريعة ً ، وبيئة ً ، ودوافعَ ، تبايناً كلياً . 

- تحكّمهم في المصادر ِ التي ينقلونَ منها ، فهم ينقلونَ مثلاً من كتب ِ الأدب ِ ، ما يحكمونَ بهِ على كتبِ الحديث ِ وتأريخهِ ! ، ومن كتبِ التأريخ ِ ما يحكمونَ بهِ على كتبِ الفقهِ وأصولهِ !! ، ويصحّحونَ ما ينقلهُ الدميري في كتابِ حياةِ الحيوان ِ لهُ ، وفي نفس ِ الوقتِ يكذّبونَ ما ينقلهُ الإمامُ مالكُ في كتابِ الموطأ !! ، كل ذلك انسياقاً وراءَ الهوى ، وانحرافاً عن الحق ِ ، وتلبيساً وتدليساً على القرّاءِ . 

أهم النواحي التي عُني المستشرقونَ بدراستها : 

عُني المستشرقونَ – كما أسلفنا – بدراسةِ التراثِ الإسلامي : ديناً ، ولغة ً ، وتراثاً ، وتأريخاً ، وعلماً ، وأدباً ، وفنّاً ، فقاموا بالكثير ِ من الدراساتِ عن ذلك ، وأصدروا العديدَ من البحوث ِ والكتبِ ، ونشروا العديدَ من المخطوطاتِ الخاصةِ ، 

ويُمكننا هنا أن نوجزَ أهمَ النواحي التي عُني بها المستشرقونَ وبدراستها : 

- القرءانُ الكريمُ : حيثُ نشروا دراساتٍ كثيرة ً عن القرءان الكريم ، ومن ذلكَ : كتاب فلوجيل ( دليل القرءان ) ، ومنهم مالير الذي جمعَ مفرداتِ القرءان ِ وأفعالهِ ، حتى حروف الجر والعطفِ ورقم ِ آياتهِ وسورهِ ، ومنهم أيضاً نولدكه الذي صنّفَ كتاب ( تاريخ النص القرءاني ) ، ومنهم جفري الذي ألّفَ كتابَ ( قراءاتِ القرءانَ ) ، وغيرهم . 

- النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ : حيثُ كانَ مسرحاً للكثير ِ من كتاباتِ المستشرقينَ ، بمختلفِ توجهاتهم ، و ممّا كتبوهُ في ذلكَ كتاب ( حياة محمد ) لجانيه ، وألّفَ ايرفنج كتاب ( سيرةُ النبيُ العربيُ ) ، وألف برونلة كتاباً بعنوان ِ ( شروح ِ السيرة ِ ) ، وكتبَ شبرنجر كتاب ( حياةِ محمد وتعاليمهِ ) ، وكتبَ إسحاق دينيه كتاب ( محمد رسولُ الله ) وقد ترجمَ للعربيةِ ، وغيرهم . 

- السنّة ُ النبوية ُ : حيثُ وضعَ مجموعة ٌ كبيرة ٌ من المستشرقينَ دراساتٍ متعددةٍ عن السنّة وكتبها ، ومن أشهر ِ أولئك: فنسنك ، والذي ألّفَ كتاب ( مفتاح ِ كنوزِ السنةِ ) ، وهو كتابٌ نفيسٌ أثنى عليهِ الكثيرونَ ، منهم محمد رشيد رضا ، وقد ترجمَ الكتابُ للعربيةِ ، كما قامَ مجموعة ٌ أخرى من المستشرقينَ بوضع ِ كتابِ ( المعجم ِ المفهرس ِ لألفاظِ الحديثِ النبوي ) ، وهو كتابٌ نفيسٌ ، ترجمَ للعربية ِ ، وغيرها من الكتبِ . 

- الخلفاءِ الراشدينَ : كتبَ عنهم الكثيرُ من المستشرقينَ ، منهم توماس ارنولد في كتابهِ ( الخلافة ُ في الإسلام ِ ) وقد ترجمَ للعربيةِ ، وكتبَ وليم موير كتابَ ( حولياتِ الخلافةِ الإسلاميةِ ) ، وكتبُ فون كريمر ( تأريخُ الحضارةِ في الشرقِ تحت حكم ِ الخلفاء ) وقد ترجم للعربيةِ ، وألّفَ نريتون كتابهُ ( الخلفاءُ ورعاياهم من غيرِ المسلمينَ ) ، وقد تُرجمَ للعربيةِ . 

- الفرقُ الإسلامية ُ : ممّن كتبوا فيها : فون كريمر كتابهُ ( تاريخُ الفرق ِ في الإسلام ِ ، وكتبَ هوتسما ( العقيدة ُ الإسلامية ُ والأشعري ) ، وألف برنارد لويس كتابَ ( أصولُ الإسماعيليةِ ) ، وألّفَ شتروثمان كتابهُ ( الزندقة ُ والاسماعيلية ُ والنصيرية ُ والإباضية ُ والشيعة ُ ) ، ولهابولد كتاب ( المذاهبُ الباطنية ُ ) ، وغيرهم . 

- تعاليمُ الإسلام ِ وشرائعهُ : ممّن كتبوا في ذلكَ : توماس آرلوند في كتابهِ ( تعاليمُ الإسلام ِ ) وقد تُرجمَ إلى أكثر من لغةٍ منها العربية ُ ، وكتبَ غولد زيهر كتابهُ ( العقيدة ُ والشريعة ُ في الإسلام ِ ) وقد تُرجمَ للعربيةِ ، وكتبَ هاملتون جب كتابَ ( الاسلام ) ، وغيرهم . 

- الفتوحُ الإسلامية ُ : حيثَ صنّفَ الكثيرُ من المستشرقينَ مؤلفاتٍ عدة ً عن تاريخ ِ سكان البلدان ِ التي فتحها المسلمونَ ، فدرسوا أحوالها السياسية َ والادارية َ والاجتماعية َ ، وقد تناوا الفتوحات الإسلاميةِ جملة ً وتفصيلاً ، وممّن ألّفَ في ذلكَ : ميادنيكوف في كتابهِ ( فلسطين منذ الفتح العربي حتى الحروبِ الصليبيةِ ) ، ولبتلر كتابُ ( فتحُ العربِ لمصر ) ، وألّف جون جلوب كتابهُ ( الفتوحاتُ العربية ُ الكبرى ) ، وكتبَ في ذلك فايل كتابهُ ( تأريخُ الشعوبِ الإسلاميةِ من النبي محمدٍ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ إلى سليم الأوّل ) ، وكتبَ بروكلمان كتابهُ ( تأريخُ الشعوبِ الإسلاميةِ ) تناولَ فيهِ تاريخَ المسلمينَ من أقدمِ العصور ِ ، إلى ما بعدَ الحربِ العالميةِ الأولى ، وقد تُرجمَ كتابهُ ، وكتبَ برنارد لويس كتابهُ ( العربُ في التاريخ ِ ) ، وغيرهم . 

- الحضارة ُ الإسلامية ُ : كتبَ عنها المستشرقونَ كثيراً ، منهم : جوستاف لوبون في كتابهِ ( حضارة ُ العربِ ) وقد تُرجمَ للعربيةِ ، وكتبَ كذلكَ زيجريد هونكة كتابهُ ( شمسُ العربُ تسطعُ على الغربِ ) وقد تُرجمَ للعربيةِ ، وكتبَ مييلي كتابهُ ( العلمُ عندَ العربِ وأثرهُ في تطوّرِ العلم ِ العالمي ) وقد تُرجمَ للعربيةِ ، وغيرها من الكتبِ . 

أشهرُ المستشرقينَ : 

المستشرقونَ خلائقُ لا يُحصيهم إلا اللهُ تباركَ وتعالى ، وقد استمرَ عملهم المنظّم ما يُقاربُ الثلاثمائة عام ٍ ، ورتّبَ لهم من الميزانياتِ والمخصصاتِ الشيءُ الكثير ، وفُتحتْ لهم المعاهدُ والمدارسُ ، 

وسأحاولُ هنا ذكرَ أشهر ِ هؤلاءِ المستشرقينَ ، خصوصاً من لهُ شهرة ٌ في البلاد ِ الإسلاميةِ ، 

فمن أشهرهم على الإطلاق ِ : 

- د . س . مرجيليوث D . S .Margoliouth : 

مستشرقٌ إنجليزيٌ متعصّبٌ جدّاً ضد الإسلام ِ ، وهو من محرّري ( دايرةِ المعارفِ الإسلاميةِ ) ، وقد كانَ عضواً بالمجمّع ِ اللغوي المصري ، وعضواً بالمجمع ِ العلمي بدمشقَ ، ومن كتبهِ ( التطوراتِ المبتكرةِ في الإسلام ِ ) ، 

وقد اتهمَ النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ بتهم ٍ كثيرةٍ ، وبأوصافٍ قذرةٍ ، منها قولهُ : ( لقد عاشَ محمد هذه السنينَ الست بعد هجرتهِ للمدينةِ ، على التلصص ِ والسلبِ والنهبِ ) ، 

وهو أستاذُ طه حسين ، ومنها نقلَ طه حسين بحثهُ عن الشعر ِ الجاهلي ، وأيضاً هو صاحبُ كتابِ ( الإسلام ِ وأصول ِ الحكم ِ ) الذي نُسبَ إلى علي عبدالرازق ، 

وبالجملةِ فهذا المستشرق هو أخبثُ المعاصرينَ على الإطلاق ِ ، وأوقحهم ، وأجرأهم ، وأقلّهم حياءً وأدباً ، عليهِ لعائنُ اللهِ المتتابعةِ . 

- فيليب حتّى Ph . Hitti : 

لبنانيٌ نصرانيٌ أمريكيُ الجنسيةِ ، كانَ رئيساً لقسم ِ الدراساتِ الشرقيةِ بجامعة ِ برنستون بأمريكا ، وهو من أخبثِ المستشرقينَ ، ولهُ كلامٌ عن الإسلام ِ وعن النبي صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ، بدلُّ على مدى حقدِهِ على الإسلام ِ ونبيّهِ ، وقد ملأ بحوثهُ بالكذبِ والافتراءِ وتزييفِ الحقائق ِ ، وقد كانَ مستشاراً في وزارةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ ، في شئون ِ الشرق ِ الأوسطِ ، ويكرهُ أن ينسبَ للإسلام ِ أي فضل ٍ أو خيرٍ ، 

من كتبهِ ( تاريخُ العربِ ) وهو كتابُ مليءٌ بالحقدِ والطعن ِ على الإسلام ِ ، والسخريةِ بنبيهِ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ ، ومن كتبهِ أيضاً ( تاريخ سوريا ) ، وكتاب ( أصل الدروز ِ وديانتهم ) . 

- هنري لامنس اليسوعي H . Lammens : 

فرنسيٌ حاقدٌ ، وهو أحدُ محرّري ( دائرة ُ المعارفِ الإسلاميةِ ) ، شديدُ التعصّبُ ضدِ الإسلام ِ ، لدرجةٍ أقلقت بعض المستشرقينَ أنفسهم ، من كتبهِ ( الإسلام ) ، وكتاب ( الطائف ) . 

- ه . ا . ر . جب H . A . R . Gibb : 

انجليزي من مواليد الاسكندريةِ ، وهو خليفة ٌ لمرجليوث في جامعة اكسفورد ، وهو أحدُ المستشرقينَ الذين يهاجمونَ الإسلامَ من طرفٍ خفيٍ ، وإن كان يُظهرُ في الظاهر ِ أنّهُ منصفٍ ، وتتسمُ كتاباتهُ بالعمق ِ ، ولا يظهرُ الطعنُ فيها إلا لمن سبر غورَ كتبهِ ، وأحسن قراءة َ ما بينَ السطور ِ ، 

ومن كتبهِ ومؤلّفاتهِ : كتابُ ( طريق ِ الإسلام ِ ) ألّفهُ بالاشتراكِ مع آخرينَ ، وقد تُرجمَ للعربيةِ ، وكتابُ ( الاتجاهاتُ الحديثة ُ في الإسلام ِ ) وقد تُرجمَ للعربيةِ ، وغيرها ، وهو أحدُ محرّري دائرةِ المعارفِ الإسلاميةِ .